«الشعب» تسلط الضوء على الهوية ..الوجه الآخر للمصالحة الوطنية:

عصاد: إعادة الاعتبار  الأمازيغية ا في كنف السلم و التعايش

فريال بوشوية

    طايبي: من يركب التراث كملكية لخطابه الحزبي يفقده فعاليته في الهوية
 تعزيبت: تعامل ايجابي لرئيس الجمهورية مع ملف لم يحل منذ الاستقلال
  حمدادوش: خطوة في الاتجاه الصحيح للمصالحة مع الذات والهوية والذاكرة
عندما وضع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ملف الأمازيغية والهوية الوطنية، ضمن أولويات برنامجه وجعلها في جوهر الإصلاحات السياسية، ليقوم بخطوة جريئة ممثلة في دسترة اللغة الأمازيغية بموجب دستور 2016 ، كان يدرك جيدا بأن العيش في سلام لن يتم إلا من خلال معالجته، بطريقة جذرية تكرس المصالحة مع الذات والهوية الوطنية.

«العيش معا بسلام » يمر حتما عبر المصالحة مع الذات ومع الهوية، وانطلاقا من هذا المبدأ عمل رئيس الجمهورية، طيلة سنوات على معالجة ملف الأمازيغية وكانت البداية بإعلانها لغة وطنية في العام 2002  موازاة مع تدريسها في المدارس، غير أن دسترتها قبل سنتين 2016 كانت أبرز وأهم الخطوات، وكان ترسيم يناير عيدا وطنيا بدء من هذه السنة اللمسة الأخيرة، ليطوى ملف لا طالما تم استغلاله في زرع الفتن والترويج للجهوية والانقسام.
والمصالحة مع الهوية ليست بالأمر الهين، لاسيما وأن لعب هذه الورقة لضرب وحدة الجزائر وشعبها، يعود إلى المرحلة الاستعمارية، حيث راهن المستعمر على ورقة «الأمازيغية» لتقسيم الشعب الجزائري، في محاولة منه لكسر الجبهة الداخلية، وجاءت المعالجة على خطوات بتصنيفها كلغة وطنية وترسيمها بموجب الدستور، وكانت آخرها ترسيم يناير عيدا وطنيا، خطوات كانت كلها محل تثمين من قبل الطبقة السياسية الأغلبية والمعارضة، وكذا المجتمع المدني.

تمازيغت لغة وطنية ورسمية بموجب الدستور...ويناير عيدا وطنيا

ونص الدستور على أن «تمازيغت هي كذلك لغة وطنية ورسمية، تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني»، وعلى إحداث « مجمع جزائري للغة الأمازيغية يوضع لدى رئيس الجمهورية»، على أن «يستند المجمع إلى أشغال الخبراء، ويكلّف بتوفير الشروط اللازمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد. وتحدد كيفيات تطبيق هذه المادة بموجب قانون عضوي».
وفي اجتماع مجلس الوزراء المنعقد أواخر ديسمبر من العام 2017 ، ذكر الرئيس بوتفليقة بأن «الدستور المعدل السنة الماضية أرسى نهائيا امتلاك الشعب الجزائري برمته للغة الأمازيغية، التي هي أيضا لغة وطنية و رسمية، كعامل تماسك إضافي لوحدته الوطنية وفي الوقت ذاته كلفت الأمة الدولة بترقيتها و تطويرها»، موصيا «الحكومة بعدم ادخار أي جهد لتعميم تعليم و استعمال اللغة الأمازيغية وفقا لجوهر الدستور»، كما كلفها بـ «الإسراع في إعداد مشروع القانون العضوي المتعلق بإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية».
وبنفس المناسبة أعلن عن قراره المتعلق» بتكريس يناير يوم عطلة مدفوعة الأجر اعتبارا من تاريخ 12 يناير الماضي»، جازما بأن «هذا الإجراء على غرار كل الإجراءات التي اتخذت سابقا لصالح هويتنا الوطنية بمقوماتها الثلاث الإسلامية و العربية و الأمازيغية كفيل بتعزيز الوحدة و الاستقرار الوطنيين في الوقت الذي تستوقفنا فيه العديد من التحديات على الصعيدين الداخلي و الإقليمي».

إجراءات تاريخية  ذات بعد وطني

وجزم في هذا الصدد، الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية عصا دسي الهاشمي في تصريح لـ «الشعب»، بأن «القرارات التي اتخذها رئيس الجهورية سمحت بكيفية لا تدعو للشك، باستكمال مسار إعادة الاعتبار  للأمازيغية في بلدنا في كنف المصالحة والمصارحة  و السلم و التعايش، نثّمن هذه الخطوة، التي تندرج ضمن البُعد الوطني، لاستيعاب هذا المكوّن».

وأفاد في السياق «إن ترسيم الأمازيغية كلغة وطنية رسمية يعد مكسبا هاما للأمة الجزائرية، وهو تتويج لمسار طويل للاعتراف بالأمازيغية، جاء نتيجة التضحيات التي قدمها مناضلو الأجيال المتعاقبة»، وكذا «توفر  الإرادة السياسية التي أكدتها آخر قرارات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، فهو إجراء يندرج في إطار تعزيز الثوابت الوطنية بمقوماتها الثلاث الإسلامية و العربية و الأمازيغية».
وأضاف الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، «في هذا الجو الايجابي نسجل بكل فخر و اعتزاز إجراءات تاريخية  ذات بعد وطني و بتجاوب ايجابي للمجتمع و مصادقة واسعة لنواب الشعب بغرفتيه، ويتعلق الأمر بجعل «أمنزو ن يناير» عيدا وطنيا وعطلة مدفوعة الأجر،  والتصديق على القانون العضوي لإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية».  
واستنادا إلى ذات المتحدث، فان «كل هذه الإجراءات مفادها و ضع مكونات الشخصية الوطنية في منأى عن أي هاجس أو مزايدات السياسوية، الأمر الذي يسمح لنا كطرف مكلفين بمهمة إعادة الاعتبار للأمازيغية في الجزائر من استحضار قيم حضارتنا العريقة والشروع في ترميم الهوية الوطنية»، و يكون ذلك بالعمل «في هدوء و أريحية لمباشرة العطاء بالإنتاج ، التكوين، البث، الترجمة، توحيد وتطوير اللغة، وأكثر من هذا استدراك التأخير المسجل في ميدان البحث وتكنولوجيات  الاتصال و الرقمنة».
وخلص إلى القول «المستقبل يبنى اليوم بجميع الفاعلين في المجتمع تدريجيا، من أجل الحفاظ على «الأمن الهوياتي» ، مستطردا «نحن اليوم في حاجة إلى اجتهاد متواصل و تواصل بيداغوجي مع كل فئات المجتمع، وذلك بطريقة هادئة حضارية بعيدا عن الحماسة الزائدة ، التسييس ،التشويش و التلويث».


اكتمال مؤسسي طبيعي لانفتاح الدولة على المجتمع

وبالنسبة للبروفيسور محمد طايبي المختص في علم الاجتماع، فان تناول المسألة التراثية خاصة ما تعلق بالهويات المتنوعة والمتكاملة في مجتمع وطني واحد ، يكون إما من طرف علمي أكاديمي موضوعي، كيف يجب أن نسير الشأن العام من خلال المكونات السياسية والثقافية والعقائدية، وإما من منظور ايديولوجي غايته غلبة طرف على طرف، فيغيب التبرير وتتفجر الذاتيات وتزداد المساومات، ليتحول التراث المشترك الذي هو جزء من التعايش بين المرجعيات المختلفة ، إلى رهان للتموقعات السياسية وللغلبة السلطانية، فيما ينبغي أن يكون التراث المشترك انجاز تتقاطع فيه الأفكار المشتركة بين الناس، ويبرز جليا  في وجود لغة في لغة أخرى،  وفي هذه الحالة يكون تطعيم الأمازيغية بالعربية والعكس.
هذه التمازجات يجهلها من يركب التراث كملكية لخطابه الحزبي، ولهذا السبب لما يتحول التراث الجامع المشترك في المنطوق لغة، وفي الدين عقيدة، وفي التاريخ ، يفقد فعاليته في الهوية المشتركة بين العرب والبربر مثلا، وتميل الأمور إلى التفكك في هذه الهوية، وينجر عن ذلك استقطابات  بين مكونات الحياة العامة، فيتعذر على الاجتماع المشترك أن يشيد المعابر بين مكونات المجتمع، فتحل الشكوك في الآخر، وترتفع الأحكام القاسية والمقصية بين الناس، ويتقوقعون في جحورهم فتقوى العداوات الوهمية وتضعف الرابطة الوطنية وتتفكك قيم العيش المشترك.
وفي رده على استفسار أين نحن من هذا؟ يجزم البروفيسور طايبي أن «اللغة سبقت الدولة وتبقى بعدها، وكذلك الشأن بالنسبة لاحتفالات يناير، عندما ترسمها الدولة، فانها تجعل من روحهما مصدرا لتشريعاتها، فتأخذ الدولة هويتها الجامعة مما تؤسسه من الحياة العامة»، وعليه ـ أضاف يقول ـ «لما دسترت الأمازيغية كأننا أكملنا بناء صرح الدولة الوطنية، ليس تلبية لمطالب حزبية كما يعتقد الناس، بل ترسيخا للدولة الحالية بمكونات المجتمع ككل، ولا يعني ذلك ـ برأيه ـ بأي حال من الأحوال الاستجابة لمطلب حزبي أو فئوي، وإنما اكتمال مؤسسي طبيعي لانفتاح الدولة على المجتمع ولإظهار اهتمام السلطة السياسية بالحاجيات الثقافية لكل مكونات المجتمع الجزائري.
وعندما تلبي الدولة ـ أضاف يقول ـ  «المطالب بقوة القانون، فإنها تقطع الطريق أمام المستثمرين الإيديولوجيين الذين عايشوا هذا السجل وعشعشوا في بوتقة التعتيم الإيديولوجي في البلاد، ونزعت بذلك الدولة الجزائرية من مغامري تمزيق المجتمع»، وعليه «تمخض عن ذلك تطور الاستعدادات لدى مقومات البلد للتعايش في إطار الاختلاف الذي رسخ مرضا وهو في أصله مصدر تنوع في الثقافات».
لافتا إلى أن «الإجراءات لم يفهمها الناس في أبعادها الحضارية التي تستجيب لحقائق تاريخية، لأن الأمازيغية لم تكن دخيلة  على هذه البلاد، والتسويق الإعلامي حسب ما نلاحظ، عوض أن يذهب إلى تأويل يعطيها قيمتها الحضارية، ذهب إلى تأويل ايديولوجي وحزبي أفقدها قيمتها، وحتى من كانوا يدافعون عنها عندما رسختها الدولة، فقدوا توازنهم واختلفوا فيما بينهم وكأنها غنيمة طارت من بين أيديهم،فسكتوا وما صاروا عنها يؤولون».

ذوبان الخصوصيات وإبعاد أي توتر يستغل في ضرب الوحدة الوطنية

اعتبر النائب يوسف رمضان تعزيبت عن حزب العمال، الخطوة «بمثابة لحظة تاريخية عاشتها بلادنا في المرحلة الأخيرة، جازما بأنها تكرس المصالحة مع الذات ومع تاريخنا العريق وهويتنا الأمازيغية لغة وثقافة وحضارة»، ما سمح ـ حسبه ـ بـ»فتح صفحة جديدة في حياة الأمة الجزائرية، لتصبح بذلك أكثر تماسكا ووحدة في ظل تنوع اللسانيات».
وأشار البرلماني تعزيبت، إلى أن «الاعتراف بها كلغة وطنية ورسمية نتيجة نضال لعشرات السنوات»، موضحا أن «الدولة الجزائرية عبرت  من خلال رئيس الجمهورية عبرت عن إرادة سياسية قوية في إيجاد حل ايجابي لمسألة ديمقراطية وطنية وهي الأمازيغية، لأنها لا تخص جهة أو مكونة من اللغة أو من الوطن، بل هي مكسب للأمة الجزائرية ككل»، كما أنها «بمثابة انتصار باهر للأمة وانجاز تاريخي سيسمح دون شك بذوبان الخصوصيات وإبعاد أي توتر أو انقسام أو نعرات يمكن خلقها واستغلالها للمساس بوحدة التراب الوطني والشعب الجزائري، لأننا في حزب العمال نقول دائما أن «الشعب واجد بمكونتين لغويتين»، وخلص إلى أن التعامل الايجابي لرئيس الجمهورية مع ملف لم يحل منذ الاستقلال، سيسمح بفتح أفق مستقبلية هادئة.

استيعاب مكوّن أصيل للهوية بعيدًا عن أي بعد توظيفٍ للأمازيغية في التوتير والصراع

وثمن رئيس حركة مجتمع السلم بالمجلس الشعبي الوطني ناصر حمدادوش،» هذه الخطوة، التي تندرج ضمن البُعد الوطني، لاستيعاب هذا المكوّن الأصيل للهوية، بعيدًا عن أيِّ بُعدٍ جهوي أو فئوي أو حزبي أو إيديولوجي أو مناطقي، وهو ما يخدم ويجسّد ويحافظ على الوَحدة الوطنية».
وأكد حمدادوش أن هذه «الخطوة في الاتجاه الصحيح للمصالحة مع الذات ومع الهوية ومع
الذاكرة، بما يحقق الأمن اللغوي، بعيدًا عن أيِّ توظيفٍ للأمازيغية في التوتير والصراع والصدام»، مشددا على ضرورة أن يكون «المجمع الذي جاء في التعديل الدستوري الأخير لابد أن يكون حقيقةً وواقعية،وذو تمثيلٍ وطنيٍّ، من مختلف جهات الوطن، وببُعدٍ علميٍّ، بالاستعانة بالكفاءات التخصصية الأكاديمية المتنوعة، في اللسانيات والعلوم الإنسانية والاجتماعية»،» لأنها ليست قضيةً لغويةً وتقنيةً بحتة»، محذرا من الإقصاء والتهميش على أساس الهوية الفكرية أو القناعات الإيديولوجية.»
وبرأيه فان «هذه الخطوة تخدم بسطَ سلطة الدولة والقانون، بعيدًا عن أيّ توظيفٍ سياسوي
لهذا المكوّن، وتهديد الوحدة الوطنية»، واعتبر «التأكيد على التكامل بين «اللغة العربية» و»اللغة الأمازيغية» ضرورة، « باعتبارهما اللغتين الوطنيتين الرسميتين، ونؤكد بأنه لا يمكن التمكين للّغة
 الأمازيغية بتعميم تعليمها إلا في السياق الحضاري والخصوصية الثقافية للشعب الجزائري».
ويبقى الأمر الأكيد أن المصالحة مع الهوية وطي هذا الملف، بمثابة وجه من أوجه المصالحة التي بادر بها رئيس الجمهورية، وبغض النظر عن التفاصيل المتعلقة باللغة التي أسندت إلى الأكاديميين للإلمام بكل الثراء اللغوي الذي يعد ميزة الجزائر، فان ما تحقق من دسترة اللغة الأمازيغية وترسيمها كلغة وطنية، بالإضافة إلى ترسيم يناير عيدا وطنيا، تحسب للجزائر التي نجحت بذلك في امتحان مهم يخص تاريخها المشترك، موفرة بذلك كل شروط العيش معا في سلام، دونما إقصاء أو تهميش مع تفويت الفرصة على المتربصين بأمنها ووحدتها، نقطة قوتها وأكبر تحد لها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024